مسلسلات تاريخية.. وثائق تربّعت على عرش العالمية بين خيال الدراما وواقعية الحقيقة!

ربما للوَهلة الأولى سيعتقد الكثيرون أنّ هذا المسلسل مجرد شبيه بمسلسل آخر أقدم هو
The Sopranos لكن في حقبة مختلفة هي العشرينات، لكن الحقيقة أنّه وإن تشابها في بضعة نقاط أو عوامل مثل كوْنهما يتناولان عالم الجريمة المنظّمة وحرب العصابات، إلاّ أنّه استطاع أن يُثبت نفسه بحبكة مختلفة.

إنّ اتساع نطاق تغطية هذا المسلسل، مُتناولًا كافة النماذج بدءًا من رأس الهرم الاجتماعي من رجال الأعمال والسياسة، وصولًا إلى المُهرّبين والبغايا هوَ ما يجعل من هذا المسلسل شيئًا مميّزًا يستحق الذِكر.

نقطة تفوّق أخرى، كونه يضع المُشاهد في مأزق حينما يطرح مواقف أخلاقيّة يتعرض لها الأبطال، وعليهم فيها مُخالفة المبادئ والمُثُل المُتعارف عليها في سبيل النجاة أو إنقاذ أرواح الآلاف، وبينما لا يكون المتضرّرين مجرد أرقام أو أسماء مجهولة، بل أناس لهم وجود يعرفون أشكالهم وتابعوهم خلال أحداث المسلسل وتفاعلوا معهم.

الخطاب السياسي في المسلسل كان ذكي ومكتوب بحرفيّة ولم يقع في فخ التقليديّة أو الخطابة والوَعظ.

حافظت الشخصيات على التوازن بين كونهم نماذج مكتوبة بدقّة على الورق، وبين كونهم يمثّلون أشخاصًا حقيقيين بدرجةٍ ما، أي لم تكن الشخصيّات مُغرقة في الخيال والنمطية لدرجة تُفقدها مصداقيّتها أو قُربها من عقول وقلوب المشاهدين.

قد لا يتمتع المسلسل بنفس حيويّة وتسارع أحداث غيره من المسلسلات، ولكن الوتيرة البطيئة لها مميّزاتها كذلك كونها تمنحه عُمقًا وجمالًا نادرًا ما يُعرض على الشاشة الصغيرة.

بوصول المسلسل للموسم الثالث كان قد تم صقله وأصبح أكثر عُمقًا واتزانًا، كونه أصبح أقل تركيزًا على السياسات الداخليّة في منطقة صغيرة في أمريكا كولاية “نيو جيرسي” التي تدور فيها الأحداث، وأصبحت مواضيعه المطروحة أكثر اتساعًا وشموليّة لتتناول كل ما يخص الدولة الأمريكيّة في العموم.

مسلسل (أمريكي، بريطاني، إيطالي)، تدور أحداثه في القرن الأول قبل الميلاد، أثناء انتقال روما القديمة من الجمهورية إلى الإمبراطورية، يصوّر الجزء الأول حرب يوليوس قيصر الأهلية عام 49 قبل الميلاد ضد تيار تقليدي محافظ في مجلس الشيوخ الروماني، حتى اغتياله، فيما يصوّر الجزء الثاني الصراع على السلطة بين أوكتافيان ومارك أنتوني بعد اغتيال قيصر، والذي يمتد في الفترة من موت قيصر في 44 قبل الميلاد إلى انتصار أوكتافيان على أنتوني في معركة أكتيوم في عام 31 قبل الميلاد.

يُقدّم العمل بالتزامن مع الخلفية التاريخية السابقة،حياة الأغنياء، السلطة، نمط الحياة في المدينة الرومانية، الثروات، العائلات وغيرها من الأحداث، بطريقة درامية استثنائية، خارجة عن المألوف.

عُرض العمل الذي يقع في جزأين بين عامي (2005، 2007) وهو من تأليف برونو هيلر، جون ميلاس، وليام ماكدونالد، ومن إنتاج BBC و HBO، من بطولة كيفين ماكيد، راي ستيفينسون، كارول أميغا، بولي ووكر، جيمس بيورفوي، توبياس مينزيس، ماكس بيركس، كيري كوندون.

مسلسل تاريخي خيالي تقع أحداثه في بريطانيا، صوّر في إيرلندا، تدور قصته حول سلالة تيودور الملكية، ومبني على عهد الملك هنري الثامن، يتكون من أربعة مواسم، موسمه الأول يتطرق لفترة حكم هنري الأولى بما احتوته من مكائد ودسائس، ويعرج على زواجه الأول من كاترين من أراغون وعدم انجابه منها، ووقوعه في حبائل آن بولين، كما يتطرق هذا الجزء لشخصية هنري فيتزروي الإبن غير شرعي من عشيقته اليزابيث بلونت.

في الموسم الثاني يعلن هنري نفسه رئيساً لكنيسة إنكلترا إثر خلافه مع الكنيسة الكاثولكية بعد رفضها منحه الطلاق من كاثرين، ليتزوج سراً من أن بولين التي تكون ذريتها إناث، مما يدفعه إلى جين سيمور.

يصوّر الثالث قمع هنري لانتفاضة المعارضين للانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية، وفي الرابع يقدم محاولة هنري غزو فرنسا، ومن ثم وفاته، وتتويج ابنه الملك ادوارد السادس الذي يموت بعد سنوات، ومن ثمّ تتوج ابنته الكبيرة ماري ملكة.

أضاف فريق العمل شخصيات جديدة خارجة عن السياق التاريخي مما أضاف للعمل نكهة درامية مثيرة وجاذبية خاصة، ووفقاً لكاتب العمل مايكل هيرست فإن الشركة المنتجة فوضته لكتابة مسلسل تلفزيوني ترفيهي وليس وثائقي تاريخي، وقال الكاتب:

يقع العمل في أربعة أجزاء وعُرض بين عامي (2007، 2010)، من تأليف مايكل هيرست، ومن انتاج شوتايم بالتعاون مع ريفاي للإنتاج ووركينج تايتل وهيئة الاذاعة الكندية، ومن بطولة جوناثان ريس مايرز، هنري كاڤيل، ناتالي دورمر، ماريا دويل كينيدي، سارة بولغر، جيمس فرين، وآخرين، وهو من مسلسلات تاريخية قليلة اهتمت بتقديم حقبة الملك هنري الثامن المثيرة.

المسلسل يحمل بعداً تاريخياً مهماً، قُدم باحترافية عالية، إضافة إلى قدرة مميزة على استخدام التاريخ لخدمة الأفكار والطروحات الحياتية والاجتماعية ما يجعله مميزًا بين باقي المسلسلات التاريخية للغاية.

وظهرت الإمكانات المادية الضخمة التي رصدت من خلال الديكورات والخدع البصرية، فضلاً عن الألبسة الخاصة والأعداد الكبيرة من الممثلين المشاركين.

مسلسل درامي تاريخي (كندي، إيرلندي)، تدور أحداثه في القرن السادس عشر عن عائلة بورجا الإيطالية ذات الأصل الإسباني، وهي عائلة باباوية برزت خلال عصر النهضة، وكانت من رعاة الفن مما مكّن العديد من الفنانين من البروز.

يسلط الضوء على حكم البابا إسكندر السادس والحروب التي دارت في تلك الحقبة، معرجاً على السلطة والمال والجنس، وصراع القيادات والملوك مع الحكم الباباوي.

يقدّم المسلسل التاريخي الأجنبي (بورجا) بطريقة جذابة ومثيرة مجموعة من الحقائق التاريخية المهمة والتي كان لها دور كبير في تاريخ وحضارة إيطاليا خصوصاً وأوروبا عموماً في السنوات اللاحقة.

هو من تأليف الإيرلندي نيل جوردان عُرض بين عامي 2011 و 2013، في ثلاثة مواسم، صوّر في المجر وكندا وإيرلندا، وكان للمخرج الكبير ستيفن سبيلبرغ دوراً في عملية الإنتاج التي تصدت لها شركة شوتايم.

العمل من بطولة جيرمي أيرونز “الحائز على الأوسكار عام 1991 عن فيلم Reversal of Fortune”، وفرانسو أرنود، وجوان وايلي، كولم فيور، وهوليدي غرينجر، ومن مسلسلات تاريخية قليلة تصدت لهذه القصص الباباوية الشائكة للغاية.

مسلسل تاريخي أمريكي، استوحت قصته من شخصية تاريخية تدعى سبارتاكوس، المصارع التراقي الذي قاد حرب العبيد الثالثة ضد الجمهورية الرومانية مع العبيد الهاربين من مدينة كابوا سنة 71-73 قبل الميلاد، صنّف العمل للمشاهدين فوق 18 لما يحويه من عنف شديد ودماء وجنس وعري ولهجة قاسية، واستخدم خلاله أحداث تاريخية من المجتمع الروماني وأخرى خيالية لمواقف سبقت السجلات التاريخية والأرشيفية لإغناء المحتوى، وصوّر بطريقة الفيديو المشابهة لما قدم في فيلم 300 الشهير.

حمل الجزء الأول عنوان الدم والرمل، والثاني حمل عنوان أسياد الحلبة، والثالث الانتقام، والرابع حرب الملعونين، وحصدت الأجزاء الأربعة نسب مشاهدة عالية، ولاقت قبولاً لدى النقاد، لما تحويه من خروج عن المألوف وقدرات إخراجية وفنية عالية، عانى المسلسل من تغيير بطله الرئيسي الذي يجسد دور سبارتاكوس، فبعد أن قدم أندي ويتفيلد الشخصية في الجزأين الأولين، حل مكانه ليام ماكنتاير بعد وفاة الأول نتيجة مرض السرطان.

العمل الذي قدّم بين عامي 2010 و 2013 من تأليف ستيفن ديكنايت، ومن إنتاج شركة ستارز، ومن بطولة أندي ويتفيلد، ليام ماكنتاير، إيلين ولمان، كاترينا لو، بيتر منساه، ومانو بينيت ومن مسلسلات تاريخية قليلة استطاعت منافسة الأفلام المصنوعة عن ذات المواضيع خاصة وأنه بذات الاسم وحول ذات القصة التي قدمها من قبل العظيم كوبريك.

سواء كنت تعتبر السفر عبر الزمن علم لم نتوصل له بعد أو خيال علمي لن يتحقق، فبالتأكيد التاريخ لا يعرف السفر عبر زمن، ورغم ذلك فإن المسلسل المميز Outlander قائم على هذه الفكرة.

كلير ممرضة عاشت فواجع الحرب العالمية الثانية عام 1945م بعد انتهاء الحرب قررت هي وزوجها فرانك أن يسافرا لاسكتلندا لرحلة استجمام ومحاولة استعادة الحب بينهما، وهناك لدى منطقة كريج نادون حيث الأحجار الضخمة تنتقل كلير عبر الزمن لتجد ذاتها أبعد بقرنين من الزمان تقريبًا عن عالمها فلقد عادت لعام 1743.

رغم خيالية الانطلاقة والأحداث من قصة حب مستحيلة بين كلير Caitriona Balfe وجايمي Sam Heughan، ودراما مأساوية حقيقة في مطاردة جاك راندل Tobias Menzies للاثنين، يبقى التاريخ حاضر بشدة، فثورة اليعاقبة، ومعركة كلودين، وانتهاء ثقافة المرتفعات في اسكتلندا وما تلاها، كلها تاريخ حقيقي دقيق في خطوطه العريضة، ولكن بالتأكيد لن تجد سطور في التاريخ تتكلم عن كلير، أو عن جايمي أو عن الضابط الإنجليزي المختل اجتماعيًا جاك راندل.

وهنا جمال دمج الواقع مع الخيال فعلى مستوى القصة الشيقة ستستمتع أيما استمتاع وكذلك مستوى الحوار أما الأداء فرغم روعة الأداء بصورة عامة ولكن توبياز مينزيس قد أبدع لأقصى درجة ممكنة في دور الشر الرئيسي “الفيلين” لعدة مواسم.

لا تتوقف الأعمال التاريخية فقط لدى تحوير التاريخ أو إضافة وحذف شخصيات وحوارات، بل قد يُشَد حبل الخيال لأقصاه ليصل بنا إلى أعمال التاريخ البديل، وهنا فإن المؤلف يغير أحداث التاريخ كليًا ليلعب لعبة ماذا لو، إنه يفترض في المعتاد نجاح موقف ما فشل في التاريخ الحقيقي أو العكس إخفاق لأمر ما نجح في الواقع، وعلى هذا الأساس يبدأ التاريخ في التغير ليعطي نتائج مختلفة كليًا عن المعتاد.

وهكذا فأنت كمشاهد تكتشف التاريخ بمعرفة أضداده وعكس ما حدث، ولكن في هذا العمل الأمر يختلف، فالمسلسل استطاع ببراعة الدمج بين التاريخ البديل والواقع سويًا في حبكة مميزة حقًا.

فها هي البطلة جوليانا كراين Alexa Davalos تتورط في أمر أكبر منها بكثير، فهي تعيش في عالم كان يشبه عالمنا حتى انتصر الألمان في الحرب العالمية الثانية، وهكذا تقاسم المنتصرون -ألمانيا واليابان- الهيمنة على العالم وحُكم البلاد المنهزمة -أمريكا وبريطانيا وحلفائهم- ثم بدئتا في التقاتل، وهو نفس ما حدث في الواقع مع اختلاف الأسماء عندما انتصرت أمريكا وروسيا وتقاسمتا مع حلفائهما ألمانيا لتصبحا القوتين العظمتين ثم يبدأ التناوش والتناحر بينهما.

لم ينتهي الأمر بالقصة التاريخية المعكوسة، بل استطاع صناع العمل دمج الواقع عن طريق ظهور شرائط تحتوي قصة مختلفة للحرب تنهزم بها ألمانيا واليابان -القصة الواقعية- هذه شرائط حقيقية غير مفبركة يصبح حملها في عالم النازي عقوبته الموت هذه الشرائط تحمل توقيع الرجل في القلعة العالية The Man in the High Castle.

ووسط كل هذا تجد قصة حب وكراهية ثلاثية معقدة بين جوليانا وجو بليك Luke Kleintank وفرانك Rupert Evans، حيث لن تستطيع بقلب مطمئن أن تحدد الخير والشر.

يقدم “ديد وود” إعادة تصور جيدة لأعمال الغرب الأمريكي التقليدية، رغم هذا فهو لا يهتم كثيرًا بالدقة التاريخية قدر اهتمامه بالدقة في تقديم الشخصيات الإنسانية. لماذا تتشكل المجتمعات والتحالفات، لماذا يخون الأصدقاء المقربون، ولماذا يبدو أنّ أفضل ما في الإنسانية لا يستطيع التفوق على أسوأ ما فيها إلاّ بالكاد؟ إنّ هذه هي الأسئلة الحقيقية التي يتعرض لها المسلسل وتجعل منه عملاً متميزًا.

استطاع مؤلف المسلسل دافيد ميلش تقديم عمل متميز يبدو أقرب لتصوير رواية على الشاشة، وهذا بمساعدة التمثيل الرائع من طاقم التمثيل المتميز.

تُعَدّ حادثة محطة فوكوشيما دايتشي النووية في عام 2011 فريدة من نوعها بسبب أنها نجمت عن كارثة طبيعية: زلزال هائل أدى إلى حدوث تسونامي. وتعرض دراما جديدة عن هذه الكارثة الكثير من التفاصيل حول عملية اتخاذ القرارات الحاسمة في أعقاب الحادث.

تنطلق أحداث الدراما الواقعية التشويقية The Days بمشهد افتتاحي، يستعرض سلوك رجل يسير في ممر. ويقول بصوتٍ عالٍ: “كيف يمكنني البدء في الحديث عن تلك الأحداث؟”.